الحديث عن الأشجار .. فيلم عن عشق السينما وسحر الحرية
أي شخص يعمل في مجال الفنون تطرأ على باله الكثير من الأفكار السلبية
أحيانًا حول أهمية عمله من الأساس، لماذا ينفق وقته وجهده ليشبع تلك
الحاجة للفن بداخله، ويتساءل بصورة متكررة عن مدى إفادته للآخرين بأي شكل
من الأشكال. خلال حضوري مهرجان الجونة السينمائي لهذا العام راودتني هذه
الأفكار أكثر من مرة، إلى أن أتتأي شخص يعمل في مجال الفنون تطرأ على
باله الكثير من الأفكار السلبية أحيانًا حول أهمية عمله من الأساس،
لماذا ينفق وقته وجهده ليشبع تلك الحاجة للفن بداخله، ويتساءل بصورة
متكررة عن مدى إفادته للآخرين بأي شكل من الأشكال.
خلال حضوري مهرجان الجونة السينمائي لهذا العام راودتني هذه الأفكار أكثر
من مرة، إلى أن أتت الإجابة عن تساؤلاتي على هيئة فيلم ملهم للغاية،
شفاني من الشكوك، وأشبعني من محبة الفن والحرية، هو الفيلم السوداني
الرائع "الحديث عن الأشجار".
فيلم الحديث عن الأشجار واحد من أفضل الأفلام التي شاهدتها في المهرجان
بدورته الثالثة، وأفضل فيلم عربي بين كل ما شاهدته بلا منازع، وهو للمخرج
صهيب قاسم الباري، والذي عرض في العديد من المهرجانات وفاز بالكثير من
الجوائز، منهم جائزتين بمهرجان برلين السينمائي واحد من أعرق مهرجانات
السينما في العالم بعد كان وفينيسيا.
أقرأ أيضًا: في الدورة الثالثة من مهرجان الجونة .. نساء العالم يروين
قصصهن بكل اللغات
يبدأ الفيلم التسجيلي بمجموعة من الرجال المسنين، يتحدثون عن السينما،
ويمثلون إنهم يصورون فيلم سينمائي، يأسرون المشاهدين بخفة ظلهم الواضحة،
والأنسجام بينهم، لكن سريعًا ما نتعرف عليهم، فهم أربعة من أهم المخرجين
السودانيين، الذين درسوا فن السينما بالخارج، وعادوا لبلادهم ليقدموا
أفلام فازت بجوائز مهمة من مهرجانات دولية.
عاش الأربعة ذروة العشق السينمائي حتى انتهى الحلم الذي عاشوه بكابوس،
فقد توقفت الدولة عن إنتاج الأفلام، ولم تعد السلعة التي يقدموها مطلوبة.
على لسان أحدهم قال "موت السينما لم يكن موت طبيعي، كان موت مفاجئ" في
إشارة إلى أن اندثار هذا الفن الساحر في بلادهم كان رغمًا عن الجميع،
يشبه جريمة القتل التي تنتزع الروح قبل الآوان.
يعيش كل من إبراهيم شديد ومنار الهيلو وسليمان محمد إبراهيم والطيب مهدي
مكرسين حياتهم لحلم واحد، وهو عرض الأفلام على العامة بصورة مجانية، حلم
قد يبدو بسيطًا للغاية، لكن لم يكن هناك أصعب منه لهم.
قابل فرسان الفن السابع عوائق من كل شكل ولون، بداية من عوائق لوجستية
مثل وجود آلة عرض، وشاشة ومكان للعرض، والتصريحات الأمنية على الرغم من
أن العرض مجاني، وحتى العوائق القادمة من قلب الواقع الذي يعيشونه مثل
اضطرارهم إلى العرض بعد صلاة العشاء لأن مكان العرض حوله أكثر من خمس
مساجد يرددون الأذان بفاصل دقيقتين بين كل مسجد وآخر ما سيقطع العرض
السينمائي لمدة عشر دقائق تقريبًا.
يتناول أبطالنا الأزمات التي يمرون بها من أجل تحقيق حلمهم بخفة ظل
مستمرة، يسخرون من ضعفهم ومن قوة أعداء الفن، يقولون "نحن أذكى، ولكن هم
أقوى" يعلمون أن حلمهم صغير لكنه يكفيهم.
يشعر المشاهد طوال الوقت بالحميمية مع شخصيات الفيلم، وحديثهم الشائق عن
السينما، وتعلمهم لها على أيدي أساتذة من كل البلاد، خطواتهم وهم مازالوا
شباب والموجودة أثارها في شرائط سليوليد الأفلام القديمة، ومذكراتهم التي
كتبوها عن كل شيء وحتى الأشجار خلال دراستهم، يخططون لأفلام قادمة لهم
يصوروها بكاميرا الهاتف المحمول، يحتفلون بعيد ميلاد أحدهم، ويأخذون صورة
عظيمة مع جمل في دار العرض المفتوحة، ويحكون عن سحر المشاهدة الجماعية.
بالنسبة لأبطالنا، السينما تتنسم حرية، لذلك ودون حديث واضح وصريح عن
المشاكل السياسية التي مرت بها بلادهم خلال تصوير الفيلم منذ سنوات قليلة
كانت أصابعهم تشير دومًا إلى الأسباب وراء موت كل شيء.
أقرأ أيضًا: فيلم ستموت في العشرين .. عن الخيط الرفيع الذي يفصل الموت عن الحياة
قرأت من قبل في مكان ما أن الأفلام التسجيلية تدار من غرفة المونتاج،
وذلك لطبيعة هذا النوع الذي يعتمد على التصوير الكثير للغاية، ثم أخذ
أجزاء معينة من المشاهد المصورة وترتيبها لصنع حبكة أو خط سير للعمل،
وهذا ما نجح فيه المخرج ببراعة، وما أكده بنفسه في رده على سؤال أحد
المشاهدين بعد عرض الفيلم مباشرة.
الفيلم هو العمل الثاني للمخرج صهيب قاسم الباري، وكلا عمليه تحدثا عن
صناعة الأفلام السودانية، لكن هذه المرة عمل مع مجموعة من أهم المخرجين
وبالتأكيد كان من الصعب عليه إدارتهم وفرض سيطرته كمخرج، ولكنه استطاع أن
يخرج هذا الاختبار بنجاح، ويظهر رؤيته، وكذلك يستغل كل مزايا وجود هذا
الطاقم الرائع، من فهم لطبيعة الوسيط السينمائي، وعلاقة الصداقة العظيمة
بينهم، والانسجام الواضح.
فيلم الحديث عن الأشجار واحد من أفضل أفلام 2019، عمل ساحر، جاء ليذكرنا
بروعة فن السينما، وقدراته اللامحدودة.
أحيانًا حول أهمية عمله من الأساس، لماذا ينفق وقته وجهده ليشبع تلك
الحاجة للفن بداخله، ويتساءل بصورة متكررة عن مدى إفادته للآخرين بأي شكل
من الأشكال. خلال حضوري مهرجان الجونة السينمائي لهذا العام راودتني هذه
الأفكار أكثر من مرة، إلى أن أتتأي شخص يعمل في مجال الفنون تطرأ على
باله الكثير من الأفكار السلبية أحيانًا حول أهمية عمله من الأساس،
لماذا ينفق وقته وجهده ليشبع تلك الحاجة للفن بداخله، ويتساءل بصورة
متكررة عن مدى إفادته للآخرين بأي شكل من الأشكال.
خلال حضوري مهرجان الجونة السينمائي لهذا العام راودتني هذه الأفكار أكثر
من مرة، إلى أن أتت الإجابة عن تساؤلاتي على هيئة فيلم ملهم للغاية،
شفاني من الشكوك، وأشبعني من محبة الفن والحرية، هو الفيلم السوداني
الرائع "الحديث عن الأشجار".
فيلم الحديث عن الأشجار واحد من أفضل الأفلام التي شاهدتها في المهرجان
بدورته الثالثة، وأفضل فيلم عربي بين كل ما شاهدته بلا منازع، وهو للمخرج
صهيب قاسم الباري، والذي عرض في العديد من المهرجانات وفاز بالكثير من
الجوائز، منهم جائزتين بمهرجان برلين السينمائي واحد من أعرق مهرجانات
السينما في العالم بعد كان وفينيسيا.
أقرأ أيضًا: في الدورة الثالثة من مهرجان الجونة .. نساء العالم يروين
قصصهن بكل اللغات
يبدأ الفيلم التسجيلي بمجموعة من الرجال المسنين، يتحدثون عن السينما،
ويمثلون إنهم يصورون فيلم سينمائي، يأسرون المشاهدين بخفة ظلهم الواضحة،
والأنسجام بينهم، لكن سريعًا ما نتعرف عليهم، فهم أربعة من أهم المخرجين
السودانيين، الذين درسوا فن السينما بالخارج، وعادوا لبلادهم ليقدموا
أفلام فازت بجوائز مهمة من مهرجانات دولية.
عاش الأربعة ذروة العشق السينمائي حتى انتهى الحلم الذي عاشوه بكابوس،
فقد توقفت الدولة عن إنتاج الأفلام، ولم تعد السلعة التي يقدموها مطلوبة.
على لسان أحدهم قال "موت السينما لم يكن موت طبيعي، كان موت مفاجئ" في
إشارة إلى أن اندثار هذا الفن الساحر في بلادهم كان رغمًا عن الجميع،
يشبه جريمة القتل التي تنتزع الروح قبل الآوان.
يعيش كل من إبراهيم شديد ومنار الهيلو وسليمان محمد إبراهيم والطيب مهدي
مكرسين حياتهم لحلم واحد، وهو عرض الأفلام على العامة بصورة مجانية، حلم
قد يبدو بسيطًا للغاية، لكن لم يكن هناك أصعب منه لهم.
قابل فرسان الفن السابع عوائق من كل شكل ولون، بداية من عوائق لوجستية
مثل وجود آلة عرض، وشاشة ومكان للعرض، والتصريحات الأمنية على الرغم من
أن العرض مجاني، وحتى العوائق القادمة من قلب الواقع الذي يعيشونه مثل
اضطرارهم إلى العرض بعد صلاة العشاء لأن مكان العرض حوله أكثر من خمس
مساجد يرددون الأذان بفاصل دقيقتين بين كل مسجد وآخر ما سيقطع العرض
السينمائي لمدة عشر دقائق تقريبًا.
يتناول أبطالنا الأزمات التي يمرون بها من أجل تحقيق حلمهم بخفة ظل
مستمرة، يسخرون من ضعفهم ومن قوة أعداء الفن، يقولون "نحن أذكى، ولكن هم
أقوى" يعلمون أن حلمهم صغير لكنه يكفيهم.
يشعر المشاهد طوال الوقت بالحميمية مع شخصيات الفيلم، وحديثهم الشائق عن
السينما، وتعلمهم لها على أيدي أساتذة من كل البلاد، خطواتهم وهم مازالوا
شباب والموجودة أثارها في شرائط سليوليد الأفلام القديمة، ومذكراتهم التي
كتبوها عن كل شيء وحتى الأشجار خلال دراستهم، يخططون لأفلام قادمة لهم
يصوروها بكاميرا الهاتف المحمول، يحتفلون بعيد ميلاد أحدهم، ويأخذون صورة
عظيمة مع جمل في دار العرض المفتوحة، ويحكون عن سحر المشاهدة الجماعية.
بالنسبة لأبطالنا، السينما تتنسم حرية، لذلك ودون حديث واضح وصريح عن
المشاكل السياسية التي مرت بها بلادهم خلال تصوير الفيلم منذ سنوات قليلة
كانت أصابعهم تشير دومًا إلى الأسباب وراء موت كل شيء.
أقرأ أيضًا: فيلم ستموت في العشرين .. عن الخيط الرفيع الذي يفصل الموت عن الحياة
قرأت من قبل في مكان ما أن الأفلام التسجيلية تدار من غرفة المونتاج،
وذلك لطبيعة هذا النوع الذي يعتمد على التصوير الكثير للغاية، ثم أخذ
أجزاء معينة من المشاهد المصورة وترتيبها لصنع حبكة أو خط سير للعمل،
وهذا ما نجح فيه المخرج ببراعة، وما أكده بنفسه في رده على سؤال أحد
المشاهدين بعد عرض الفيلم مباشرة.
الفيلم هو العمل الثاني للمخرج صهيب قاسم الباري، وكلا عمليه تحدثا عن
صناعة الأفلام السودانية، لكن هذه المرة عمل مع مجموعة من أهم المخرجين
وبالتأكيد كان من الصعب عليه إدارتهم وفرض سيطرته كمخرج، ولكنه استطاع أن
يخرج هذا الاختبار بنجاح، ويظهر رؤيته، وكذلك يستغل كل مزايا وجود هذا
الطاقم الرائع، من فهم لطبيعة الوسيط السينمائي، وعلاقة الصداقة العظيمة
بينهم، والانسجام الواضح.
فيلم الحديث عن الأشجار واحد من أفضل أفلام 2019، عمل ساحر، جاء ليذكرنا
بروعة فن السينما، وقدراته اللامحدودة.
تعليقات
إرسال تعليق